لطالما كان يُنظر إلى الجامعة على أنَّها الطريق الوحيد الذي يُفضي إلى مسيرة مهنية ناجحة؛ ونتيجة لهذا يربط العديد من الطلبة آمالهم وأحلامهم بالحصول على شهادة جامعية. لكن وعلى الرغم من ذلك، يجد الطلبة بشكل متزايد أنَّ حُسن اختيار تخصصهم الجامعي له بالغ الأثر على نجاحهم بعد تخرجهم من جامعاتهم.
أصدرت منظمة “GenFKD” – وهي منظمة لمحو الأمية المالية – تقريراً يكشف أنَّ الكثيرين من جيل الألفية لا يجنون ثمار عملهم الأكاديمي، فوفقاً للمشاركين في الاستطلاع:
لذا فليس من المستغرب على الأرجح أنَّ 34 بالمئة من الطلبة لا يعتقدون أنَّ الدراسة الجامعية أمر يستأهل من المرء أن يستثمر فيه ماله ووقته؛ ولكن: هل من الممكن أن يكون هؤلاء الطلبة قد اختاروا التخصص “الخاطئ” في جامعاتهم؟
يُظهر استطلاع أجرته شركة “Course Hero“، أنَّ بعض التخصصات الجامعية أكثر قابلية للتوظيف من غيرها، إذ من المرجح أن يحصل خريجو هذه التخصصات على وظائف فور تخرجهم:
ولكن بعد ستة أشهر من التخرج، كان خريجو التخصصات التالية ما زالوا في حالة بحث عن وظيفة:
كما لا يعتقد 36 بالمئة من الخريجين أنَّ وظيفة أحلامهم مرتبطة بتخصصاتهم الجامعية، حيث كانت نسب من يؤيدون هذه الفكرة أعلى بين هذه التخصصات:
بينما أخبرَ 16 بالمئة من الطلبة بأنَّهم سيختارون التخصص نفسه مرة أخرى، وذلك بما يتفق مع تقرير آخر وجد أنَّ طلبة الجامعات غالباً ما يعيدون التفكير في مدى صحة اختياراتهم الدراسية.
إذاً وفي حين يتابع بعض الطلبة دراستهم تخصصات لا تفضي في نهاية المطاف إلى عمل مربح، وبينما لا يكون آخرون – بعضهم يدرسون تخصصات في مجالات مطلوبة في سوق العمل – راضين عن اختيارهم لتخصصاتهم الجامعية، فما هو الحل في هذه الحالات؟
أدت شعبية تخصصات مثل العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، وشعبية تخصصات الأعمال إلى سعي العديد من الطلبة وراء الحصول على درجات علمية في هذه التخصصات؛ لكنَّ جينيفر لي ماجاس الحاصلة على درجة الماجستير والدكتوراه في الطب، والأستاذة السريرية المشاركة في تخصص العلاقات العامة في جامعة بايس “Pace University”، أخبرت موقع “GoodCall®” مصرحة بما يأتي: “لطالما رأيت طلبة بائسين في الفصول الدراسية التي لا يحبونها، أو رأيتهم يعانون منها لكونهم يشعرون بأنَّهم محصورون ضمن تخصص معين”.
أمضت جينيفر أكثر من 20 عاماً في مساعدة الطلبة على اختيار التخصص الجامعي المناسب، وتعتقد أنَّ حصرَ اتخاذ القرار بناءً على طلبات التوظيف ضمن سوق العمل هو خيارٌ كارثي؛ إذ تقول في هذا الصدد: “إنَّ الطلبة الذين لا يتخذون قراراً بشأن تخصصهم الجامعي بناءً على متطلبات سوق العمل قد يجدون صعوبة في الحصول على وظيفة في هذا المجال، ولكنَّ الجهد الإضافي الذي يتطلبه الأمر يستأهل ذلك؛ إذ إنَّه لمن الهام للطلبة متابعة شغفهم، فكما يقول المثل الشائع: اختر الوظيفة التي تحبها ولن تعمل يوماً في حياتك. في حين أنَّ هذه المقولة محوَّرة قليلاً، إلا أنَّ مغزاها صحيح بدرجة كبيرة”.
تعترف جينيفر أنَّ الأمر قد يتطلب بعض الوقت من خريجي تخصصات الفنون المتحررة لكي يعثروا على وظيفة جيدة الأجر، ومن ثم ليتم ترقيتهم إلى الوظيفة التي يريدونها، وتضيف: “وي نهاية المطاف، سيكون لديك مهنة عملت بجد من أجلها؛ مما يمنحك شعوراً بالرضا عن حياتك في نهاية كل يوم عمل؛ وهذا الأمر يكون مجزياً أكثر من أي وظيفة (آمنة) تكرهها”.
ومع ذلك، فإنَّ جينيفر تؤكد أيضاً على أهمية مواءمة تخصص الكلية مع مجموعة المهارات خاصتك؛ فمثلاً: إذا لم تكن تبرع في الرياضيات، فلا تذهب إلى الجامعة لدراسة العلوم الاكتوارية “Actuarial science” فقط لأنَّك تكون قد سمعت بأنَّ لها أجراً جيداً وأماناً وظيفياً أكثر من غيرها من المهن؛ فعلى الأمد الطويل، إنَّ الأمر الأهم هو اختيار مهنة تبرز نقاط قوتك، وذلك لأنَّ امتلاك وإتقان مهارات متميزة في تخصص معيَّن يجعلك شخصاً لا تقدر بثمن؛ لكن وفي المقابل، قد يستغرق الأمر وقتاً أطول قليلاً للحصول على وظيفة تتطلب تلك المهارات.
يميل العديد من طلبة وخريجي الجامعات إلى التقليل من مدى أهمية تطوير المهارات التي يحتاجها أصحاب العمل بشدة، لكن وفي الوقت نفسه، تكلف فجوة المهارات تلك الشركات ما يقرب من مليون دولار سنوياً. وعن ذلك تقول سوزان برينان، نائبة رئيس الخدمات المهنية الجامعية في جامعة بنتلي “Bentley University”: “المشكلة ليست في أنَّ الطلبة يختارون التخصص الخاطئ، بل في حاجتهم إلى النظر إلى ما هو أبعد من التخصص الذي يختارونه، وذلك لإقرانه بالخبرات والمهارات ذات الصلة التي ستجعلهم قابلين للتسويق ومرغوبين من قبل الشركات”.
توصي سوزان الطلبة بمتابعة تخصصهم المفضل، ولكنَّها تنصحهم أيضاً بامتلاك الكفاءات والحصول على الشهادات التي تنال رضا أرباب العمل وتثير إعجابهم؛ إذ تقول في هذا الصدد: “على سبيل المثال، تخصَّص في الفلسفة؛ ولكن خُض بعض التجارب بحيث تتمكن من امتلاك بعض المهارات الصلبة “Hard Skills” مثل كتابة الأكواد البرمجية أو تحليلات البيانات؛ فهذا سيجعلك مرشحاً جيداً لمجموعة متنوعة من الوظائف المختلفة”.
هذه نصيحة ذكية في الواقع، وذلك مع الأخذ في الحسبان أنَّ نصف الوظائف عالية الأجر تتطلب مهارات في كتابة الأكواد البرمجية؛ حتى تلك الوظائف التي لا تتعلق بتكنولوجيا المعلومات.
توضِّح سوزان أنَّ الشركات تبحث عن مرشحين للوظائف ممن يمكنهم مساعدتهم في حل المشكلات، كما يكشف تقرير حديث أنَّ أقل من نصف خريجي الجامعات يشعرون بأنَّهم “على أهبة الاستعداد” للعمل بعد تخرجهم، لكنَّ سوزان تقول إنَّ السبب في ذلك هو حقيقة كون معظم الشركات ترغب في توظيف مرشحين يمتلكون خبرة وظيفية ذات صلة بالوظائف المتاحة فيها؛ لذا توصي الطلبة بمتابعة التدريب المهني لاكتساب المعرفة المهنية ذات الصلة وصقل مهاراتهم الوظيفية التي سيحتاجونها في العالم الحقيقي.
تقول سوزان: “يتلخص الأمر في نهاية المطاف في الخبرات الوظيفية القابلة للتسويق التي يمكن للطلبة الإشارة إليها في سيرهم الذاتية عند التقدم للحصول على وظيفة؛ فإذا كان تخصصك الجامعي هو الشيء الوحيد المدرج في سيرتك الذاتية، فأنت غالباً لن تحصل على الوظيفة التي تتقدم إليها”.
مسارات مهنية ذات صلة