في عالم اليوم السريع الخُطى والمُتغير باستمرار، يواجه المهنيون الأكبر سناً تحديات فريدة عند محاولة إعادة بناء حياتهم المهنية أو البقاء في القوى العاملة. بينما تُعتبر الخبرة والحكمة المكتسبة عبر السنوات أصولاً قيّمة، فإن هناك عوائق أخرى تحول دون تحقيق هؤلاء المهنيين لإمكاناتهم الكاملة.
فلا يزال التمييز العمري منتشراً في بيئات العمل الحديثة، حيث غالباً ما يُنظر إلى العمال الأكبر سناً على أنهم أقل إنتاجية وقدرة على التكيف. هذه المواقف السلبية تحد من فرصهم في الحصول على وظائف جديدة أو الترقيات المهنية. و أيضاً تُشكل التطورات التكنولوجية المتسارعة تحديًا آخر للمهنيين الأكبر سناً. حيث قد يجدون صعوبة في مواكبة أحدث الأدوات والأساليب الرقمية المستخدمة في معظم المجالات، مما يجعلهم أقل جاذبية للشركات الباحثة عن مهارات تكنولوجية متقدمة.
العمر ليس مجرد رقما عندما يتعلق الأمر بالحياة المهنية وسوق العمل. بينما قد تنطبق هذه المقولة على العلاقات الشخصية والعاطفية، إلا أن العمر يلعب دوراً محورياً في التوظيف والمسار الوظيفي، خاصة بعد سن الأربعين، في العالم المهني لا يمكن تجاهل العمر ببساطة لأنه يرتبط بمستويات الخبرة والنضج والالتزام التي يبحث عنها أصحاب العمل. كلما تقدم الموظف في السن، كلما زادت مخاوف أرباب العمل من تكاليف التوظيف والاحتفاظ بالموظفين ومعدلات دوران العمل.
بالإضافة إلى ذلك فإن التمييز العمري لا يزال منتشراً بشكل مؤسف في بعض بيئات العمل، حيث يُنظر إلى المتقدمين الأكبر سناً على أنهم أقل إنتاجية أو مهارة في التكنولوجيا الحديثة. هذه المواقف الخاطئة تحد من فرصهم في الحصول على وظائف جديدة أو الترقيات.
اقرأ أيضاً: 4 قيم أساسية لدفع نجاح عملك
لذلك، بينما قد تكون المقولة “العمر مجرد رقم” صحيحة في السياق الشخصي، إلا أنه في عالم الأعمال، يظل العمر عاملاً مهماً لا يمكن تجاهله. يجب على المهنيين الأكبر سناً إظهار قيمتهم وخبرتهم لأصحاب العمل لتحدي التصورات الخاطئة والتغلب على التحيز العمري. كما يجب على أرباب العمل تبني ممارسات توظيف عادلة وشاملة تركز على المهارات والكفاءات بدلاً من العمر فقط.
للتمييز على أساس السن آثار خطيرة ومدمرة يمكن أن تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد الجانب العاطفي. فهذا التمييز ليس مجرد كلمات جارحة أو مواقف سلبية، بل له تداعيات حقيقية على صحة الإنسان الجسدية والعقلية، وشعوره بقيمة ذاته، وحياته الاجتماعية، وحتى وضعه المالي. وهناك عدة أنواع لهذه الآثار السلبية ومنها ما يلي:
أظهرت الأبحاث أن التنميط السلبي ضد كبار السن والمواقف التمييزية يرتبط بارتفاع معدلات الوفيات المبكرة. كما أن انخراط المسنين في التصورات السلبية عن أنفسهم وشيخوختهم يؤدي إلى تدهور صحتهم وزيادة احتمالية الإصابة بأمراض مزمنة ومشاكل صحية قصيرة الأمد، بالإضافة إلى تعطيل عملية الشفاء من الأمراض الجسدية.
السبب وراء ذلك قد يكمن في النظرة السلبية للذات التي تدفع بالمسنين للانغماس في عادات غير صحية، أو افتقارهم للمرونة والدعم الاجتماعي اللذين يساهمان في إطالة العمر. كما أن التمييز الموجود في المجال الطبي نفسه يفاقم المشكلة، حيث يميل الأطباء إلى حرمان المسنين من العلاجات المنقذة للحياة، فضلاً عن تهميشهم في الأبحاث والتجارب الطبية مما ينتج عنه علاجات وأدوية غير ملائمة لاحتياجاتهم.
لكن التأثيرات المدمرة للتمييز لا تقتصر على الجانب الصحي فحسب، بل تمتد إلى الحياة النفسية والاجتماعية للمسنين. فالنظرة الدونية والمواقف السلبية تنال من شعورهم بقيمة أنفسهم وتزيد من عزلتهم الاجتماعية، ناهيك عن الآثار المالية التي قد تنجم عن التمييز في فرص العمل ومجالات أخرى.
لذا، لا بد من التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة والسعي لمواجهة التحيز العمري والقضاء على المواقف التمييزية في جميع المجالات، بدءًا من الأسرة والمجتمع ووصولاً إلى أماكن العمل ومؤسسات الرعاية الصحية. فكرامة الإنسان وحقوقه لا ترتبط بعمره على الإطلاق.
اقرأ أيضاً: لماذا يجب عدم تأجيل عمل اليوم إلى الغد؟
آثار التمييز على أساس السن على الصحة العقلية مدمرة للغاية. فالمواقف والكلمات فقيرة الإحساس من المجتمع المُحيط تُشعر المسنين بانعدام القيمة وعدم الاحترام، وتزرع فيهم الشك حول مكانتهم في المجتمع. هذا الوضع المؤلم يرفع من مخاطر الإصابة بالاكتئاب وغيره من الاضطرابات النفسية.
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن نحو 6 ملايين حالة اكتئاب حول العالم قد تكون ناتجة عن التمييز العمري. كما تُظهر الدراسات أن التصورات السلبية التي يكونها المسنون عن أنفسهم بسبب هذا التمييز، تؤدي إلى تدهور قدراتهم العقلية والإدراكية مثل الذاكرة.
هذه الظاهرة تُعرف بـ “التهديد النمطي”، حيث يخشى المسنون من أن يثبتوا تلك الصور النمطية السلبية عنهم، فينخفض أدائهم العقلي. وحتى التعرض للرسائل السلبية لفترة قصيرة يكفي لينال من احترام المرء لذاته وقدراته الذهنية.
لذا، من المهم جداً مواجهة التمييز العمري والقضاء على المفاهيم والمواقف السلبية تجاه كبار السن في المجتمع. فالآثار النفسية لهذا التمييز خطيرة للغاية وتدمر الصحة العقلية للمسنين وتحد من قدراتهم. نحن بحاجة إلى غرس الاحترام والتقدير للمسنين وتمكينهم ليتمتعوا بصحة نفسية جيدة و يستمروا في المساهمة بإيجابية في مجتمعاتهم.
يُعد التأثير المالي من أبرز العواقب الوخيمة للتمييز ضد كبار السن. حيث يواجه المسنون صعوبات في الحصول على فرص العمل والترقيات بسبب التحيز العمري من قبل أصحاب العمل والمشرفين. كما تحرمهم الممارسات التمييزية للمؤسسات المالية من الحصول على منتجات مثل التأمين الصحي وتأمين السفر بأسعار معقولة.
هذه العقبات المالية تزيد من شعور المسنين بانعدام الأمان المادي وتهدد استقرارهم المعيشي. بالإضافة إلى ذلك، تجعلهم الصور النمطية السائدة حول ضعف قدراتهم عرضة لعمليات الاحتيال والنصب، مما يلحق بهم خسائر مالية فادحة.
لكن الأثر الأكثر خطورة للاحتيال المالي على المسنين هو الأضرار النفسية الجسيمة التي يخلفها. فخسارة الأموال المكتسبة بشق الأنفس تصيب المسنين بالصدمة والقلق والخجل والحزن الشديدين.
بهذه الطريقة، يشكل التمييز العمري تهديدًا حقيقيًا للأمن المادي والاستقرار النفسي للمسنين. لذا يجب محاربة هذه الظاهرة الخطيرة ومواجهة جميع أشكال التحيز والممارسات التمييزية ضد كبار السن، سواء في أماكن العمل أو المؤسسات المالية والخدمية. فالمسنون يستحقون الحياة الكريمة والشعور بالأمان المادي والنفسي دون تمييز بسبب أعمارهم.
اقرأ أيضاً: ملف التفاخر: دليل على إنجازاتك المهنية
هناك عدة طرق يمكن من خلالها معالجة التمييز على أساس السن والحد من آثاره السلبية:
يجب العمل على رفع مستوى الوعي حول التمييز العمري وآثاره الضارة عبر حملات التوعية والتثقيف في المدارس ووسائل الإعلام والمؤسسات المختلفة. كلما زادت معرفة الناس بهذه الظاهرة، كلما ساعد ذلك على تغيير المواقف والسلوكيات التمييزية.
يجب وضع قوانين وتشريعات صارمة تحظر التمييز على أساس السن في جميع مناحي الحياة، بدءًا من التوظيف والتعليم والرعاية الصحية. ويجب أن تكون هناك عقوبات رادعة لمن ينتهك هذه القوانين.
ينبغي العمل على إدماج كبار السن في المجتمع والاستفادة من خبراتهم وتشجيعهم على المشاركة الفاعلة في الأنشطة المختلفة، بدلاً من عزلهم واستبعادهم.
يجب مراجعة السياسات المؤسسية والحكومية المتعلقة بكبار السن وتعديلها لضمان المساواة وعدم التمييز، مثل سياسات التوظيف والتقاعد والرعاية الصحية والخدمات المالية.
التدريب والتعليم: ينبغي تدريب الموظفين في مختلف القطاعات على التعامل مع كبار السن باحترام وتجنب السلوكيات التمييزية. كما يجب تضمين مفاهيم مكافحة التمييز العمري في المناهج التعليمية.
يجب تشجيع وتمكين المنظمات والجمعيات التي تدافع عن حقوق المسنين وتسعى لمكافحة التمييز ضدهم، وإشراكهم في صنع السياسات ذات الصلة.
يجب مساعدة المسنين على تحدي الصور النمطية وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، من خلال التواصل معهم وتشجيعهم على المطالبة بحقوقهم دون خجل.
بعد سنوات من العمل في نفس المجال، قد يكون من الصعب على المهنيين الأكبر سناً الوصول إلى شبكات جديدة وفرص توظيف جديدة، مما يقلل من خياراتهم المهنية، في هذه المرحلة المتقدمة من الحياة، قد يكون لدى المهنيين مسؤوليات عائلية أكبر مثل رعاية الأبناء البالغين أو الأحفاد، مما يضيف ضغوطاً إضافية على جهودهم لإعادة البناء المهني.
هناك العديد من الخطوات التي يمكن للفرد اتخاذها لمساعدة في منع التمييز على أساس السن ومكافحة التحيز العمري في المجتمع:
هناك العديد من الفوائد لترك عمرك في سيرتك الذاتية عند التقدم لوظيفة:
التمييز على أساس السن يتضمن التعميمات والقوالب النمطية أو التمييز ضد الأفراد على أساس أعمارهم. يمكن أن يحدث هذا التمييز في مكان العمل وكذلك في الحياة الشخصية. قد يوجه التحيز العمري نحو كبار السن والشباب على حد سواء، ومع ذلك تميل ثقافتنا إلى تمجيد الشباب، لذلك غالباً ما يكون كبار السن ضحايا التمييز العُمري والنظرة السلبية تجاههم بسبب أعمارهم.
يمكن أن تتجذر بذور التمييز على أساس السن في وقت مبكر من الحياة. حتى عندما نكون أطفالاً، نبدأ في استيعاب فكرة أن الشيخوخة عملية غير مرغوب فيها وأن كبار السن غير قادرين على الاعتناء بأنفسهم. هناك العديد من الخطوات التي يمكنك اتخاذها لمعالجة هذه المشكلة والتصدي للتمييز العُمري. وبفعل ذلك فإنك لا تحّسن رفاهيتك فحسب، بل تساهم أيضاً في خلق ثقافة أكثر انفتاحاً حيث تكون القوالب النمطية ذات تأثير أقل وينتشر التمييز بشكل أقل.
الجهد هو المفتاح المتكامل لجميع الجبهات في القضاء على هذا التمييز الخطير الذي يهدد سلامة وكرامة فئة كاملة من المجتمع. يجب على الجميع تحمل المسؤولية لضمان تمتع كبار السن بحقوقهم الإنسانية الأساسية كاملة دون تمييز.
مقالات ذات صلة